فصل: باب زكاة المعدن والركاز

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **


 باب زكاة المعدن والركاز

اجتمعت الأمة على وجوب الزكاة في المعدن ولا زكاة فيما يستخرج من المعدن إلا في الذهب والفضة هذا هو المذهب المشهور الذي قطع به الأصحاب وحكي وجه أنه تجب زكاة كل مستخرج منه منطبعا كان كالحديد والنحاس أو غيره كالكحل والياقوت وهذا شاذ منكر وفي واجب النقدين المستخرجين منه ثلاثة أقوال أظهرها ربع العشر والثاني الخمس والثالث إن ناله بلا تعب ومؤونة فالخمس وإلا فربع العشر ثم الذي اعتمده الأكثرون على هذا القول في ضبط الفرق الحاجة إلى الطحن والمعالجة بالنار والاستغناء عنهما فما احتاج فربع العشر وما استغنى عنهما فالخمس‏.‏

والمذهب أنه يشترط كونه نصابا وقيل في اشتراطه قولان والمذهب المنصوص عليه في معظم كتب الشافعي رحمة الله عليه أنه لا يشترط الحول وقيل في اشتراطه قولان ووجه المذهب فيهما القياس على المعشرات ولأن ما دون النصاب لا يحتمل المواساة وإنما يعتبر الحول للتمكن من تنمية المال وهذا نما في نفسه‏.‏

فرع إذا اشترطنا النصاب فليس من شرطه أن ينال في الدفعة الواحدة نصابا بل ما ناله بدفعات ضم بعضه إلى بعض إن تتابع العمل وتواصل النيل قال في التهذيب ولا يشترط بقاء ما استخرج في ملكه فلو تتابع العمل ولم يتواصل النيل بل حفر المعدن زمانا ثم عاد النيل فان كان زمن الانقطاع يسيرا ضم أيضا وإلا فقولان الجديد الضم والقديم لا ضم‏.‏

وإن قطع العمل ثم عاد إليه فإن كان القطع لغير عذر فلا ضم طال الزمان أم قصر لإعراضه وإن قطع لعذر فالضم ثابت إن قصر الزمان وإن طال فكذلك عند الأكثرين وفي وجه لا ضم وفي حد الطول أوجه أصحها الرجوع إلى العرف والثاني ثلاثة أيام والثالث يوم كامل ثم إصلاح الآلات وهرب العبيد والأجراء من الأعذار بلا خلاف‏.‏

وكذلك السفر والمرض على المذهب وقيل فيهما وجهان أصحهما عذران والثاني لا ومتى حكمنا بعدم الضم فمعناه أن الأول لا يضم إلى الثاني فأما الثاني فيكمل بالأول قطعا كما فرع إذا نال من المعدن دون نصاب وهو يملك من جنسه نصابا فأما أن يناله في آخر جزء من حول ما عنده أو مع تمام حوله أو قبله ففي الحالين الأولين يصير النيل مضموما إلى ما عنده وعليه في ذلك النقد حقه وفيما ناله حقه على اختلاف الأقوال فيه وأما إذا ناله قبل تمام الحول فلا شيء فيما عنده حتى يتم حوله‏.‏

وفي وجوب حق المعدن فيما ناله وجهان أصحهما يجب وهو ظاهر نصه في الأم والثاني لا يجب فعلى هذا يجب فيما عنده ربع العشر عند تمام حوله وفيما ناله ربع العذر عند تمام حوله ولو كان يملك من جنسه دون نصاب بأن ملك مائة درهم فنال من المعدن مائة نظر إن نال بعد تمام حول ما عنده ففي وجوب حق المعدن فيما ناله الوجهان‏.‏

فعلى الأول يجب في المعدن حقه ويجب فيما عنده ربع العشر إذا مضى حول من حين كمل النصاب بالنيل وعلى الثاني لا يجب شيء حتى يمضي حول من يوم النيل فيجب في الجميع ربع العشر‏.‏

وعن صاحب الإفصاح وجه أنه يجب فيما ناله حقه وفيما كان عنده ربع العشر في الحال لأنه كمل بالنيل وقد مضى عليه الحول وأما إن ناله قبل تمام حول المائة فلا يجيء وجه صاحب الإفصاح ويجيء الوجهان الآخران وهذا التفصيل مذكور في بعض طرق العراقيين وقد نقل معظمه الشيخ أبو علي ونسبه الإمام إلى السهو وقال إذا كان يملكه دون النصاب فلا ينعقد عليه حول حتى يفرض له وسط وآخر ويحكم بوجوب الزكاة فيه يوم النيل ولا شك في القول بوجوب الزكاة فيه للنيل لكن الشيخ لم ينفرد بهذا النقل ولا صار إليه حتى يعترض عليه وإنما نقله متعجبا منه منكرا له‏.‏

وأما إذا كان ما عنده مال تجارة فتنتظم فيه الأحوال الثلاثة وإن كان دون النصاب بلا إشكال لأن الحول ينعقد عليه ولا يعتبر النصاب إلا في آخر الحول على الأصح فإن نال من المعدن في آخر حول التجارة ففيه حق المعدن وفي مال التجارة زكاة التجارة إن كان نصابا وكذا إن كان دونه وبلغ بالمعدن نصابا واكتفينا بالنصاب في آخر الحول‏.‏

وإن نال قبل تمام الحول ففي وجوب حق المعدن الوجهان السابقان وإن نال بعد تمام الحول نظر إن كان مال التجارة نصابا في آخر الحول وجب في النيل حق المعدن لانضمامه إلى ما وجبت فيه الزكاة وإن لم يبلغ نصابا ونال بعد مضي شهر من الحول الثاني مثلا بني ذلك على الخلاف في أن سلعة التجارة إذا قومت في آخر الحول فلم تبلغ نصابا ثم ارتفعت القيمة بعد شهر هل تجب فيها الزكاة أم ينتظر آخر الحول الثاني فإن قلنا بالأول وجبت زكاة التجارة في مال التجارة وحينئذ يجب حق المعدن في النيل قطعا‏.‏

وإن قلنا بالثاني ففي وجوب حق المعدن الوجهان وجميع ما ذكرناه مفرع‏:‏ على المذهب أن الحول ليس بشرط في حق المعدن فإن شرطناه انعقد الحول عليه من حين وجده‏.‏

فرع لا يمكن ذمي من حفر معادن دار الاسلام والأخذ منها كما من الإحياء فيها ولكن ما أخذه قبل إزعاجه يملكه كما لو احتطب وهل عليه حق المعدن يبنى على أن مصرف حق المعدن ماذا فان أوجبنا فيه ربع العشر فمصرفه مصرف الزكوات وإن أوجبنا الخمس فطريقان المذهب والذي قطع به الأكثرون مصرف الزكوات والثاني على قولين أظهرهما هذا والثاني مصرف خمس خمس الفيىء‏.‏

فإن قلنا بهذا أخذ من الذمي الخمس وإن قلنا بالمذهب لم يؤخذ منه شيء وعلى المذهب تشترط النية فيه وعلى قول مصرف الفيىء لا تشترط النية ولو كان المستخرج من المعدن مكاتبا لم يمنع ولا زكاة‏.‏

ولو نال العبد من المعدن شيئا فهو لسيده وعليه واجبة ولو أمره السيد بذلك ليكون النيل له فقد بناه صاحب الشامل على القولين في ملك العبد بتمليك السيد وحظ الزكاة من القولين ما قدمناه واعلم أن السلطان والحاكم يزعج الذمي عن معدن دار الاسلام وينقدح جواز إزعاجه لكل مسلم لأنه صاحب حق فيه‏.‏

فرع لو استخرج اثنان من معدن نصابا فوجوب الزكاة يبنى على ثبوت الخلطة في غير المواشي‏.‏

فرع إذا قلنا بالمذهب إن الحول لا يعتبر فوقت وجوب حق المعدن النيل في يده ووقت الاخراج التخليص والتنقية فلو أخرج قبل التنقية من التراب والحجر لم يجز وكان مضمونا على الساعي يلزمه رده‏.‏

فلو اختلفا في قدره بعد التلف أو قبله فالقول قول الساعي مع يمينه ومؤونة التخليص والتنقية على المالك كمؤونة الحصاد والدياس فلو تلف بعضه قبل التمييز فهو كتلف بعض المال قبل قلت‏:‏ وإذا امتنع من تخليصه أجبر والله أعلم‏.‏

 فصل الركاز دفين الجاهلية

ويجب فيه الخمس ويصرف مصرف الزكوات على وحكي قول وقيل وجه أنه يصرف مصرف خمس خمس الفيىء ولا يشترط الحول فيه بلا خلاف والمذهب اشتراط النصاب وكون الموجود ذهبا أو فضة وقيل في اشتراط ذلك قولان الجديد الاشتراط‏.‏

فرع لو كان الموجود على ضرب الاسلام بأن كان عليه شيء من أو اسم ملك من ملوك الاسلام لم يملكه الواحد بمجرد الوجدان بل يرده إلى مالكه إن علمه فإن لم يعلمه فوجهان الصحيح الذي قطع به الجمهور هو لقطة يعرفه الواجد سنة ثم له تملكه إن لم يظهر مالكه وقال الشيخ أبو علي هو مال ضائع يمسكه الآخذ للمالك أبدا أو يحفظه الإمام له في بيت المال ولا يملك بحال كما لو ألقت الريح ثوبا في حجره أو مات مورثه عن ودائع وهو لا يعرف مالكها‏.‏

وإنما يملك بالتعريف ما ضاع من المارة دون ما حصنه المالك بالدفن ونقل البغوي عن القفال نحو هذا قال الإمام ولو انكشفت الأرض عن كنز بسيل ونحوه فما أدري ما قول الشيخ فيه والمال البارز ضائع قال واللائق بقياسه أن لا يثبت فيه حق التمليك اعتبارا بأصل الموضع ولو لم يعرف أن الموجود من ضرب الجاهلية أو الاسلام فقولان أظهرهما وأشهرهما ليس بركاز والثاني ركاز فيخمس‏.‏

وعلى الأظهر يكون لقطة على قول الجمهور وعن الشيخ أبي علي موافقة الجمهور هنا وعنه أيضا وجهان أحدهما الموافقة والثاني أنه مال ضائع كما قال في الصورة السابقة ثم يلزم من كون الركاز على ضرب الاسلام كونه دفن في الاسلام ولا يلزم من كونه على ضرب الجاهلية كونه دفن في الجاهلية لاحتماله أنه وجده مسلم بكنز جاهلي فكنزه ثانيا فالحكم مدار على كونه من دفن الجاهيلين لا على كونه ضرب الجاهلية‏.‏

فرع الكنز الموجود بالصفة المتقدمة تارة يوجد في دار الاسلام وتارة فالذي في دار الاسلام إن وجد في موضع لم يعمره مسلم ولا ذو عهد فهو ركاز سواء كان مواتا أو من القلاع العادية التي عمرت في الجاهلية‏.‏

وقيل وجهان والموجود في المسجد لقطة على المذهب‏.‏

ويجيء فيه الوجه الذي في الطريق أنه ركاز وما عدا هذه المواضع ينقسم إلى مملوك وموقوف فالمملوك إن كان لغيره ووجد فيه كنزا لم يملكه الواجد بل إن ادعاه مالكه فهو له بلا يمين كالأمتعة في الدار وإلا فهو لمن تلقى صاحب الأرض الملك منه وهكذا إلى أن ينتهي إلى الذي أحيا الأرض فيكون له وإن لم يدعه لأنه بالاحياء ملك ما في الأرض وبالبيع لم يزل ملكه عنه فانه مدفون منقول‏.‏

فإن كان من تلقى الملك عنه هالكا فورثته قائمون مقامه فإن قال بعض ورثته هو لمورثنا وأباه بعضهم سلم نصيب المدعي إليه وسلك بالباقي ما ذكرناه‏.‏

هذا كله كلام الأئمة صريحا وإشارة ومن المصرحين بملك الركاز باحياء الأرض القفال ورأى الإمام تخريج ملك الركاز بالاحياء على ما لو دخلت ظبية دارا فأغلق صاحبها الباب لا على قصد ضبطها وفيه وجهان‏.‏

أصحهما لا يملكها ولكن يصير أولى بها كذلك المحيي يصير أولى بالكنز ثم إذا قلنا الكنز يملك بالاحياء وزالت رقبة الأرض عن ملكه فلا بد من طلبه ورده إليه وإن قلنا لا يملكه ولكن يصير أولى به فلا يبعد أن يقال إذا زال ملكه عن رقبة الأرض بطل اختصاصه التفريع إن قلنا المحيي لا يملك بالاحياء فإذا دخل في ملكه أخرج الخمس وإلا فإذا احتوت يده على الكنز نفسه وقد مضى سنون فلا بد من إخراج الخمس الذي لزمه يوم ملكه وفيما مضى من السنين يبنى وجوب ربع العشر في الأخماس الأربعة على الخلاف في الضال والمغصوب وفي الخمس كذلك إن قلنا تتعلق الزكاة بالعين وإلا فعلى ما ذكرنا إذا لم يملك إلا نصابا وتكرر الحول عليه‏.‏

أما إذا كان الموضع الذي وجد فيه الكنز للواجد فإن كان أحياه فما وجده ركاز وعليه خمسه في وقت دخوله في ملكه كما سبق‏.‏

وقال الغزالي فيه وجهان بناء على ما قاله الإمام وإن كان انتقل إليه من غيره لم يحل له أخذق بل عليه عرضه على من ملكه عنه وهكذا حتى ينتهي إلى المحيي كما سبق وإن كان الموضع موقوفا فالكنز لمن في يده الأرض كذا قاله في التهذيب‏.‏

هذا كله إذا وجد في دار الاسلام فلو وجد في دار الحرب في موات نظر إن كانوا لا يذبون عنه فهو كموات دار الاسلام وإن كانوا يذبون عنه ذبهم عن العمران فالصحيح الذي قطع به الأكثرون أنه كمواتهم الذي لا يذبون عنه‏.‏

وقال الشيخ أبو علي هو كعمرانهم وإن وجد في موضع مملوك لهم نظر إن أخذ بقهر وقتال فهو وإن أخذ بغير قتال ولا قهر فهو فيىء ومستحقه أهل الفيىء كذا قاله في النهاية وهو محمول على ما إذا دخل دار الحرب بغير أمان لأنه إذا دخل بأمان لا يجوز له أخذ كنزهم لا بقتال ولا بغيره كما ليس له أن يخونهم في أمتعة بيوتهم وعليه الرد إن أخذ وقد نص على هذا الشيخ أبو علي‏.‏

ثم في كونه فيئا إشكال لأن من دخل بغير أمان وأخذ مالهم بلا قتال إما أن يأخذه خفية فيكون سارقا وإما جهارا فيكون مختلسا وهما خاص ملك السارق والمختلس ويتأيد هذا الاشكال بأن كثيرا من الأئمة أطلقوا القول بأنه غنيمة منهم ابن الصباغ والصيدلاني‏.‏

فرع إذا تنازع بائع الدار ومشتريها في ركاز وجد فيها فقال المشتري لي وأنا دفنته وقال البائع مثل ذلك أو قال ملكته بالاحياء أو تنازع المعير والمستعير أو المكري والمستأجر هكذا فالقول قول المشتري والمستعير والمستأجر مع أيمانهم لأن اليد لهم وهو كالنزاع في متاع الدار‏.‏

وهذا إذا احتمل صدق صاحب اليد ولو على بعد فأما إذا لم يحتمل لكون مثله لا يمكن دفنه في مدة جديدة فلا يصدق صاحب اليد ولو وقع النزاع بين المكري والمستأجر أو المعير والمستعير بعد رجوع الدار إلى يد المالك فان قال المكري أو المعير أنا دفنته بعد عود الدار إلي فالقول قوله وإن قال دفنته قبل خروج الداذ من يدي فوجهان أحدهما القول قوله أيضا وأصحهما القول قول المستأجر والمستعير لأن المالك سلم له حصول الكنز في يده فيده تنسخ اليد السابقة ولهذا لو تنازعا قبل الرجوع كان القول قوله‏.‏

فرع إذا اعتبرنا النصاب في الزكاة لم يشترط كون الموجود نصابا بل يكمله بما يملكه من جنس النقد الموجود وفيه من التفصيل والخلاف ما سبق في المعدن وإذا كملنا ففي الركاز الخمس‏.‏

فرع حكم الذمي في الركاز حكمه في المعدن فلا يمكن من أخذه الاسلام فإن وجده وأخذه ملكه على المذهب المعروف قال الحمام وفيه احتمال عندي لأنه كالحاصل في قبضة المسلمين فهو كما لهم الضال‏.‏

وإذا قلنا بالمذهب فأخذه ففي أخذ حق الزكاة منه الخلاف السابق في المعدن‏.‏

قلت‏:‏ إذا وجد معدنا أو ركازا وعليه دين ففي منع الدين زكاتهما القولان المتقدمان في سائر الزكوات وإذا أوجبنا زكاة الركاز في عين الذهب والفضة أخذ خمس الموجود لا قيمته ولو وجد وإذا وجد من الركاز دون النصاب وله دين تجب فيه الزكاة فبلغ به نصابا وجب خمس الركاز في الحال وإن كان ماله غائبا أو مدفونا أو غنيمة والركاز ناقص لم يخمس حتى يعلم سلامة ماله فحينئذ يخمس الركاز الناقص عن النصاب سواء بقي المال أو تلف إذا علم وجوده يوم حصل الركاز والله أعلم‏.‏

 باب زكاة الفطر

هي واجبة وقال ابن اللبان من أصحابنا غير واجبة‏.‏

قلت‏:‏ قول ابن اللبان شاذ منكر بل غلط صريح والله أعلم‏.‏

وفي وقت وجوبها أقوال أظهرها وهو الجديد تجب بغروب الشمس ليلة العيد والثاني وهو القديم تجب بطلوع الفجر يوم العيد والثالث تجب بالوقتين معا خرجه صاحب التلخيص واستنكره الأصحاب فلو ملك عبدا أو أسلم عبده الكافر أو نكح امرأة أو ولد له ولد ليلة العيد لم تجب فطرتهم على الجديد وعلى المخرج وتجب على القديم ولو مات ولده أو عبده أو زوجته أو طلقها بائنا ليلة العيد أو ارتد العبد أو الزوجة لم تجب على القديم والمخرج وتجب على الجديد وكذا الحكم لو أسلم الكافر قبل الغروب ومات بعده ولو حصل الولد أو الزوجة أو العبد ولو زال الملك في العبد بعد الغروب وعاد قبل الفجر وجبت على الجديد والقديم وأما على المخرج فوجهان كالوجهين في أن الواهب هل يرجع في ما زال ملك المتهب عنه ثم عاد إليه ولو باع العبد بعد الغروب واستمر ملك المشتري فعلى الجديد الفطرة على البائع وعلى القديم على المشتري وعلى المخرج لا تجب على واحد منهما ولو مات مالك العبد ليلة العيد فعلى الجديد الفطرة في تركته وعلى القديم تجب على الوارث وعلى المخرج لا فطرة أصلا وفيه وجه أنها تجب على الوارث على هذا القول بناء على القديم أن الوارث يبنى على حول الموروث‏.‏

 فصل الفطرة يجوز تعجيلها

من أول شهر رمضان على المذهب وتقدم بيانه في باب التعجيل فإذا لم يعجل فيستحب أن لا يؤخر إخراجها عن صلاة العيد ويحرم تأخيرها عن يوم العيد فإن أخر قضى‏.‏

 فصل الفطرة قد يؤديها عن نفسه أو غيره

وقد يؤديها عن غيره وجهات التحمل ثلاث الملك والنكاح والقرابة وكلها تقتضي وجوب الفطرة في الجملة فمن لزمه نفقة بسبب منها لزمه فطرة المنفق عليه ولكن يشترط في ذلك أمور ويستثنى عنه صور منها متفق عليه‏.‏

ومنها مختلف فيه ستظهر بالتفريع إن شاء الله تعالى وقال ابن المنذر من أصحابنا تجب فطرة الزوجة في مالها لا على الزوج فمن المستثنى أن الابن تلزمه نفقة زوجة أبيه تفريعا على المذهب في وجوب الاعفاف وفي وجوب فطرتها عليه وجهان أصحهما عند الغزالي في طائفة وجوبها‏.‏

وأصحهما عند صاحبي التهذيب و العدة وغيرهما لا تجب‏.‏

قلت‏:‏ هذا الثاني هو الأصح وجزم الرافعي في المحرر بصحته والله أعلم‏.‏

ويجري الوجهان في فطرة مستولدته ثم من عدا الأصول والفروع من الأقارب كالإخوة والأعمام لا تجب فطرتهم كما لا تجب نفقتهم‏.‏

وأما الأصول والفروع فإن كانوا موسرين لم تجب نفقتهم وإلا فكل من جمع منهم إلى الاعسار الصغر أو الجنون أو الزمانة وجبت نفقته ومن تجرد في حقه الاعسار ففي نفقته قولان ومنهم من قطع بالوجوب في الأصول وحكم الفطرة حكم النفقة اتفاقا واختلافا إذا ثبت هذا فلو كان الابن الكبير في نفقة أبيه فوجد قوته ليلة العيد ويومه فقط لم تجب فطرته على الأب لسقوط نفقته ولا على الابن لإعساره‏.‏

وإن كان الابن صغيرا والمسألة بحالها ففي سقوط الفطرة عن الأب وجهان أصحهما السقوط كالكبير والثاني لا تسقط لتأكدها‏.‏

فرع الفطرة الواجبة على الغير هل تلاقي المؤدى عنه ثم يتحمل عن المؤدي أم تجب على المؤدي ابتداء فيه خلاف يقال وجهان ويقال قولان مخرجان أصحهما الأول ثم الأكثرون طردوا الخلاف في كل مؤد عن غيره من الزوج والسيد والقريب قال الإمام وقال طوائف من المحققين هذا الخلاف في فطرة الزوجة فقط‏.‏

أما فطرة المملوك والقريب فتجب على المؤدي ابتداء قطعا لأن المؤدى عنه لا يصلح للايجاب لعجزه ثم حيث فرض الخلاف وقلنا بالتحمل فهو كالضمان أم كالحوالة قولان حكاهما أبو العباس الروياني في المسائل الجرجانيات فلو كان الزوج معسرا والزوجة أمة أو حرة موسرة فطريقان أصحهما فيهما قولان بناء على الأصل المذكور‏.‏

إن قلنا الوجوب يلاقي المؤدى عنه أولا وجبت الفطرة على الحرة وسيد الأمة وإلا فلا تجب على أحد والطريق الثاني تجب على سيد الأمة ولا تجب على الحرة وهو المنصوص قلت‏:‏ الطريق الثاني أصح والله أعلم‏.‏

أما إذا نشزت فتسقط فطرتها عن الزوج قطعا قال الإمام والوجه عندي القطع بإيجاب الفررة عليها وإن قلنا لا يلاقيها الوجوب لأنها بالنشوز خرجت عن إمكان التحمل ولو كان زوج الأمة موسرا ففطرتها كنفقها وبيانها في بابها وأما خادم الزوجة فان كانت مستأجرة لم تجب فطرتها وإن كانت من إماء الزوج فعليه فطرتها وإن كانت من إماء الزوجة والزوج ينفق عليها لزمها فطرتها لأنه يمونها نص عليه الشافعي رحمه الله في المختصر وقال الإمام الأصح عندي أنها لا تلزمه‏.‏

فرع لو أخرجت الزوجة فطرة نفسها مع يسار الزوج بغير إذنه ففي وجهان إن قلنا الزوج متحمل أجزأ وإلا فلا ويجري الوجهان فيما لو تكلف من فطرته على قريبه باستقراض أو غيره وأخرج بغير إذنه والمنصوص في المختصر الإجزاء ولو أخرجت الزوجة أو القريب بإذن من عليه أجزأ بلا خلاف بل لو قال الرجل لغيره أد عني فطرتي ففعل أجزأه كما لو قال اقض ديني‏.‏

فرع تجب فطرة الرجعية كنفقتها وأما البائن فإن كانت حائلا فلا فطرة كما لا نفقة وإن كانت حاملا فطريقان أحدهما تجب كالنفقة وهذا هو الراجح عند الشيخ أبي علي والإمام والغزالي والثاني وبه قطع الأكثرون أن وجوب الفطرة مبني على الخلاف في أن النفقة للحامل أم للحمل إن قلنا بالأول وجبت وإلا فلا لأن الجنين لا تجب فطرته‏.‏

هذا إذا كانت الزوجة حرة فإن كانت أمة ففطرتها بالاتفاق مبنية على ذلك الخلاف فإن قلنا النفقة للحمل فلا فطرة كما لا نفقة لأنه لو برز الحمل لم تجب نفقته على الزوج لأنه ملك سيدها وإن قلنا للحامل وجبت وسواء رجحنا الطريق الأول أو الثاني فالمذهب وجوب الفطرة لأن الأظهر أن النفقة للحامل‏.‏

فرع لا تجب على المسلم فطرة عبده ولا زوجته ولا قريبه الكفار‏.‏

فرع تجب فطرة العبد المشترك وفطرة من بعضه حر فإن لم يكن مهايأة فالوجوب عليهما وإن كانت مهايأة بين الشريكين أو بين السيد ومن بعضه حر فهل تختص الفطرة بمن وقع زمن الوجوب في نوبته أم توزع بينهما يبنى ذلك على أن الفطرة هل هي من المؤن النادرة أم من المتكررة وأن النادرة هل تدخل في المهايأة أم لا وفي الأمرين خلاف‏.‏

فأما الأول فالمذهب أن الفطرة من النادرة وبه قطع الجمهور وقيل فيها وجهان وأما الثاني ففيه وجهان مشهوران أصحهما دخول النادر‏.‏

فرع المدبر وأم الولد والمعلق عتقه على صفة تجب فطرتهم على السيد وتجب فطرة المرهون والجاني والمستأجر وقال إمام الحرمين والغزالي يحتمل أن يجري في المرهون الخلاف المذكور في زكاة المال المرهون وهذا الذي قالاه لا نعرفه لغيرهما بل قطع الأصحاب بالوجوب هنا وهناك‏.‏

وأما العبد المغصوب والضال فالمذهب وجوب فطرته وقيل قولان كزكاة المغصوب وطرد ابن عبدان هذا الخلاف فيما إذا حيل بينه وبين زوجته وقت الوجوب وأما العبد الغائب فان علم حياته وكان في طاعته وجبت فطرته وإن كان آبقا ففيه الطريقان كالمغصوب وإن كان لم يعلم حياته وانقطع خبره مع تواصل الرفاق فطريقان أحدهما القطع بوجوبها والثاني على قولين‏.‏

ثم إذا أوجبنا الفطرة في هذه الصور فالمذهب وجوب إخراجها في الحال ونص في الإملاء على قولين فيه‏.‏

فرع العبد ينفق على زوجته من كسبه ولا يخرج الفطرة عنها حرة أو أمة لأنه ليس أهلا لفطرة نفسه فكيف يحمل عن غيره بل تجب على الزوجة فطرة نفسها إن كانت حرة وعلى السيد إن كانت أمة على المذهب فيهما‏.‏

وقيل فيهما القولان السابقان فيما إذا كان الزوج حرا معسرا ولو ملك السيد عبده شيئا وقلنا يملكه لم يكن له إخراج فطرة زوجته استقلالا لأنه ملك ضعيف فلو صرح في الاذن بالصرف إلى هذه الجهة فوجهان فإن قلنا له ذلك فليس للسيد الرجوع عن الاذن بعد دخول الوقت لان الاستحقاق إذا ثبت فلا مدفع له‏.‏

فرع إذا أوصى بمنفعة عبد لرجل وبرقبته لآخر ففطرته على الموصى له بالرقبة قطعا وهل تجب نفقته عليه أم على الآخر أو في بيت المال فيه ثلاثة أوجه‏.‏

وعبد بيت المال والموقوف على مسجد لا فطرة فيهما على الصحيح والموقوف على رجل بعينه المذهب أنه إن قلنا الملك في رقبته للموقوف عليه فعليه فطرته‏.‏

وإن قلنا لله تعالى فوجهان وقيل لا فطرة فيه قطعا وبه قطع في التهذيب‏.‏

قلت‏:‏ الأصح لا فطرة إذا قلنا لله تعالى والله أعلم‏.‏

فرع إذا مات المؤدى عنه بعد دخول الوقت وقبل إمكان الأداء لم الفطرة على الأصح وبه قطع في الشامل‏.‏

 فصل يشترط في مؤدي الفطرة

ثلاثة أمور الأول الإسلام فلا فطرة على الكافر عن نفسه ولا عن غيره إلا إذا كان له عبد مسلم أو قريب مسلم أو مستولدة مسلمة ففي وجوب الفطرة عليه وجهان بناء على أنها تجب على المؤدي ابتداء أو على المؤدى عنه ثم يتحمل المؤدي‏.‏

فإن قلنا بالوجوب فقال إمام الحرمين لا صائر إلى أن المتحمل عنه ينوي ولو أسلمت ذمية تحت ذمي ودخل وقت الفطرة في تخلف الزوج ثم أسلم قبل انقضاء العدة ففي وجوب نفقها مدة التخلف خلاف يأتي‏.‏

في موضعه إن شاء الله تعالى فإن لم نوجبها فلا فطرة وإن أوجبناها فالفطرة على هذا الخلاف في عبده المسلم‏.‏

الأمر الثاني الحرية فليس على الرقيق فطرة نفسه ولا فطرة زوجته ولو ملكه السيد عبدا وقلنا يملكه سقطت فطرته عن سيده لزوال ملكه ولا تجب على المتملك لضعف ملكه‏.‏

وفي المكاتب ثلاثة أقوال أو أوجه أصحها لا فطرة عليه ولا على سيده عنه والثاني تجب على سيده والثالث تجب عليه في كسبه كنفقته‏.‏

والخلاف في أن المكاتب عليه فطرة نفسه يجري في أن عليه فطرة زوجته وعبيده والمدبر والمستولدة كالقن ومن بعضه حر سبق حكمه الأمر الثالث اليسار‏.‏

فالمعسر لا فطرة عليه وكل من لم يفضل عن قوته وقوت من في نفقته ليلة العيد ويومه ما يخرجه في الفطرة فهو معسر ومن فضل عنه ما يخرجه في الفطرة من أي جنس كان من المال فهو موسر ولم يذكر الشافعي وأكثر الأصحاب في ضبط اليسدر والاعسار إلا هذا القدر وقال لا يحسب عليه في هذا الباب ما لا يحسب في الكفارة‏.‏

وإذا نظرت كتب الأصحاب لم تجد ما ذكره وقد يغلب على ظنك أنه لا خلاف في المسألة وأن الذي ذكره كالبيان والاستدراك لما أهمله الأولون وربما اسجشهدت بكونهم لم يذكروا دست ثوب يلبسه ولا شك في اعتباره فإن الفطرة ليست بأشد من الدين وهو مبقى عليه في الدين لكن الخلاف ثابت فان الشيخ أبا علي حكى وجها أن عبد الخدمة لا يباع في الفطرة كما لا يباع في الكفارة ثم أنكر عليه وقال لا يشترط في الفطرة كونه فاضلا عن كفايته بل المعتبر قوت يومه كالدين بخلاف الكفارة فإن لها بدلا وذكر في التهذيب ما يقتضي وجهين‏.‏

والأصح عنده موافقة الإمام واحتج له بقول الشافعي رضي الله عنه أن الابن الصغير إذا كان له عبد يحتاج إلى خدمته لزم الأب فطرته كفطرة الابن فلولا أن العبد غير محسوب لسقط بسببه فطرة الابن أيضا‏.‏

وإذا شرطنا كون المخرج فاضلا عن العبد والمسكن إنما نشترطه في الابتداء فلو ثبتت الفطرة في ذمة انسان بعنا خادمه ومسكنه فيها لأنها بعد الثبوت التحقت بالديون‏.‏

واعلم أن الدين على الآدمي يمنع وجوب الفطرة بالاتفاق كما أن الحاجة إلى صرفه في نفقة القريب تمنعه كذا قاله الامام قال ولو ظن ظان أن لا يمنعه على قول كما لا يمنع وجوب الزكاة كان فعلى هذا يشترط مع كون المخرج فاضلا عما سبق كونه فاضلا عن قدر ما عليه من الدين واعلم أن اليسار إنما يعتبر وقت الوجوب فلو كان معسرا عنده ثم أيسر فلا شيء عليه‏.‏

فرع لو فضل معه عما لا يجب عليه بعض صاع لزمه إخراجه ولو فضل صاع وهو يحتاج إلى إخراج فطرة نفسه وزوجته وأقاربه فأوجه أصحها يلزمه تقديم فطرة نفسه والثاني يلزمه تقديم الزوجة والثالث يتخير إن شاء أخرجه عن نفسه وإن شاء عن غيره‏.‏

فعلى هذا لو أراد توزيعه عليهم لم يجز على الأصح والوجهان على قولنا من وجد بعض صاع فقط لزمه إخراجه فإن لم يلزمه لم يجز التوزيع بلا خلاف ولو فضل صاع وله عبد صرفه عن نفسه وهل يلزمه أن يبيع في فطرة العبد جزءا منه فيه أوجه أصحها إن كان يحتاج إلى خدمته لم يلزمه وإلا لزم والثاني يلزمه مطلقا‏.‏

والثالث لا يلزمه مطلقا ولو فضل صاعان وفي نفقته جماعة فالأصح أنه يقدم نفسه بصاع وقيل يتخير وأما الصاع الآخر فإن كان من في نفقته أقارب قدم منهم من يقدم نفقته ومراتبهم وفاقا وخلافا وموضعها كتاب النفقات فإن استووا فيتخير أو يسقط وجهان‏.‏

قلت‏:‏ الأصح التخيير والله أعلم ولو اجتمع مع الأقارب زوجة فأوجه أصحها تقدم الزوجة والثاني القريب‏.‏

والثالث يتخير فعلى الأصح لو فضل صاع ثالث فاخراجه عن أقاربه على ما سبق فيما إذا تمحضوا واعلم أن المذهب من الخلاف الذي ذكرناه والذي أخرناه إلى كتاب النفقات أنه يقدم نفسه ثم زوجته ثم ولده الصغير ثم الأب ثم الأم ثم الولد الكبير‏.‏

 فصل الواجب في الفطرة

صاع من أي جنس أخرجه وهو خمسة أرطال وثلث بالبغدادي وهي ستمائة درهم وثلاثة وتسعون درهما وثلث درهم‏.‏

قلت‏:‏ هذا الذي قاله على مذهب من يقول رطل بغداد مائة وثلاثون درهما ومنهم من يقول مائة وثمانية وعشرون درهما ومنهم من يقول مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم وهو الأرجح وبه الفتوى فعلى هذا الصاع ستمائة درهم وخمسة وثمانون وخمسة أسباع درهم والله أعلم‏.‏

قال ابن الصباغ وغيره الأصل فيه الكيل وإنما قدره العلماء بالوزن استظهارا‏.‏

قلت‏:‏ قد يستشكل ضبط الصاع بالأرطال فإن الصاع المخرج به في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكيال معروف ويختلف قدره وزنا باختلاف جنس ما يخرج كالذرة والحمص وغيرهما وفيه كلام طويل فمن أراد تحقيقه راجعه في شرح المهذب ومختصره أن الصواب ما قاله الإمام أبو الفرج الدارمي من أصحابنا أن الاعتماد في ذلك على الكيل دون الوزن وأن الواجب أن يخرج بصاع معاير بالصاع الذي كان يخرج به في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك الصاع موجود ومن لم يجده وجب عليه إخراج قدر يتيقن أنه لا ينقص عنه وعلى هذا فالتقدير بخمسة أرطال وثلث تقريبا‏.‏

وقال جماعة من العلماء الصاع أربع حفنات بكفي رجل معتدل الكفين والله أعلم‏.‏

فرع كل ما يجب فيه العشر فهو صالح لإخراج الفطرة وحكي قول قديم أنه لا يجزىء فيها الحمص والعدس والمذهب المشهور هو الأول وفيه الأقط طريقان أحدهما القطع بجوازه والثاني على قولين أظهرهما جوازه‏.‏

قلت‏:‏ ينبغي أن يقطع بجوازه لصحة الحديث فيه من غير معارض والله أعلم‏.‏

فإن جوزناه فالأصح أن اللبن والجبن في معناه والثاني لا يجزئان والوجهان في إخراج من قوته الأقط واللبن والجبن واتفقوا على أن إخراج المخيض والمصل والسمن لا يجزىء وكذلك الجبن المنزوع الزبد‏.‏

فرع لا يجزىء المسوس والمعيب وإذا جوزنا الأقط لم يجز إخراج المملح الذي أفسد كثرة الملح جوهره فإن كان الملح ظاهرا عليه فالملح غير محسوب والشرط أن يخرج قدرا يكون محض الأقط منه صاعا ويجزىء الحب القديم وإن قلت‏:‏ قيمته إذا لم يتغير طعمه ولونه ولا يجزىء الدقيق ولا السويق ولا الخبز كما لا تجزىء القيمة وقال الأنماطي يجزىء الدقيق قال ابن عبدان مقتضى قوله إجزاء السويق والخبز قال وهذا هو الصحيح لأن المقصود إشباع المساكين في هذا اليوم والمعروف في المذهب ما قدمناه‏.‏

وأما الأقوات النادرة التي لا زكاة فيها كالفث والحنظل فلا تجزىء قطعا نص عليه وكذا لو اقتاتوا ثمرة لا عشر فيها‏.‏

فرع في الواجب من الأجناس المجزئة ثلاثة أوجه أصحها عند الجمهور غالب قوت البلد والثاني قوت نفسه وصححه ابن عبدان والثالث يتخير في الأجناس وهو الأصح عند القاضي أبي الطيب ثم إذا أوجبنا قوت نفسه أو البلد فعدل إلى ما دونه لم يجز وإن عدل إلى أعلى منه جاز بالاتفاق وفيما يعتد به الأعلى والأدنى وجهان أصحهما الاعتبار بزيادة صلاحية الاقتيات والثاني بالقيمة‏.‏

فعلى هذا يختلف باختلاف الأوقات والبلاد إلا أن تعتبر زيادة القيمة في الأكثر وعلى الأول البرر خير من التمر والأرز ورجح في التهذيب الشعير على التمر وعكسه الشيخ أبو محمد وله في الزبيب والشعير وفي التمر والزبيب تردد‏.‏

قال الإمام والأشبه تقديم التمر على الزبيب وإذا قلنا المعتبر قوت نفسه وكان يليق به البر وهو يقتات الشعير بخلا لزمه البر ولو كان يليق به الشعير فكان يتنعم ويقتات البر فالأصح أنه يجزئه الشعير والثاني يتعين البر‏.‏

فرع قد يخرج الواحد الفطرة عن شخصين من جنسين ويجزئه أن يخرج أحد عبديه أو قريبيه من قوت البلد إن اعتبرناه أو قوته إن اعتبرناه وعن الآخر جنس أعلى منه وكذا لو ملك نصفين من عبدين فأخرج نصف صاع من المعتبر عن نصف أحدهما ونصفا عن الآخر من أعلى منه وإذا خيرنا بين الأجناس فله إخراجهما من جنسين بكل حال ولا يجوز عن شخص واحد فطرة من جنسين وإن كان أحدهما أعلى من الواجب هذا هو المعروف ورأيت لبعض المتأخرين تجويزه ولو ملك رجلان عبدا فإن خيرنا بين الأجناس أخرجا ما شاءا بشرط اتحاد الجنس وإن أوجبنا غالب قوت البلد وكانا هما والعبد في بلد أخرجا عنه من قوت البلد فإن كان العبد في بلد آخر بني على أن الفطرة تجب على المالك ابتداء أم يتحمل فإن كان السيدان في بلدين مختلفي القوت واعتبرنا قوت الشخص بنفسه واختلف قوتهما فأوجه‏.‏

أصحها يخرج كل واحد نصف صاع من قوت بلده أو نفسه لأنهما إذا أخرجا هكذا فقد أخرج كل شخص كل واجبه من جنس كثلاثة محرمين قتلوا ظبية فذبح أحدهم ثلث شاة وأطعم آخر بقيمة ثلث شاة وصام الثالث عدل ذلك أجزأهم والثاني يخرجان من أدنى القوتين والثالث من أعلاهما والرابع من قوت بلد العبد‏.‏

ولو كان الأب في نفقة ولدين فالقول في إخراجهما الفطرة عنه كالسيدين وكذا من نصفه حر ونصفه مملوك إذا أوجبنا نصف الفطرة كما سبق فالأصح يخرجان من جنسين والثاني من فرع إذا أوجبنا غالب قوت البلد وكانوا يقتاتون أجناسا لا غالب فيها أخرج ما شاء والأفضل أن يخرج من الأعلى واعلم أن الغزالي قال في الوسيط المعتبر غالب قوت البلد وقت وجوب الفطرة لا في جميع السنة وقال في الوجيز غالب قوت البلد يوم الفطر وهذا التقييد لم أظفر به في كلام غيره‏.‏

 فصل في مسائل مهمة

منها باع عبدا بشرط الخيار فوقع وقت الوجوب زمن الخيار إن قلنا الملك في زمن الخيار للبائع فعليه فطرته وإن أمضي البيع وإن قلنا للمشتري فعليه فطرته وإن فسخ وإن توقفنا فإن تم البيع فعلى المشتري وإلا فعلى البائع وإن صادف وقت الوجوب خيار المجلس فهو كخيار الشرط‏.‏

ومنها لو مات عن رقيق ثم أهل شوال فإن لم يكن عليه دين أخرج ورثته الفطرة عن الرقيق كل بقدر حصته فإن كان عليه دين يستغرق التركة بني ذلك على أن الدين هل يمنع انتقال الملك في التركة إلى الوارث والصحيح المنصوص أنه لا يمنع وقال الأصطخري يمنع فإن قلنا بالصحيح فعليهم فطرته سواء بيع في الدين أو لم يبع‏.‏

وفي كلام الإمام أنه يجيء فيه خلاف المرهون والمغصوب وإذا قلنا بقول الاصطخري فإن بيع في الدين فلا شيء عليهم وإلا فعليهم الفطرة وفي الشامل وجه أنه لا تجب عليهم مطلقا وعن القاضي أبي الطيب أن فطرته تجب في تركة السيد على أحد القولين كالموصى بخدمته هذا إذا مات السيد قبل هلال شوال فلو مات بعده ففطرة العبد على السيد كفطرة نفسه وتقدم على الميراث والوصايا وفي تقديمها على الدين طرق أصحها أنه على الأقوال الثلاثة التي قدمناها في زكاة المال والثاني القطع بتقديم فطرة العبد لتعلقها به كأرش جنايته‏.‏

وفي فطرة نفسه الأقوال‏.‏

والثالث القطع بتقديم فطرة نفسه أيضا لقلتها في الغالب وسواء أثبتنا الخلاف أم لا فالمنصوص في المختصر تقديم الفطرة على الدين لأنه قال ولو مات بعد ما أهل ذوال وله رقيق فالفطرة عنه وعنهم في ماله مقدمة على الديون‏.‏

ولك أن تحتج بهذا النص على خلاف ما قدمناه وعن إمام الحرمين لأن سياقه يفهم منه أن المراد ما إذا طرأت الفطرة على الدين الواجب وإذا كان كذلك لم يكن الدين مانعا وبتقدير أن لا يكون كذلك فاللفظ مطلق يشمل ما إذا طرأت الفطرة على الدين والعكس فاقتضى ذلك أن لا يكون الدين مانعا‏.‏

ومنها أوصى لإنسان بعبد ومات الموصي بعد وقت الوجوب فالفطرة في تركته فإن مات قبله وقبل الموصى له الوصية قبل الهلاك فالفطرة عليه وإن لم يقبل حتى دخل وقت الوجوب فعلى من تجب الفطرة يبنى على أن الموصى له متى يملك الوصية إن قلنا يملكها بموت الموصي فقبل فعليه الفطرة وإن رد فوجهان‏.‏

أصحهما الوجوب لأنه كان مالكا والثاني لا لعدم استقرار الملك وإن قلنا يملكها بالقبول بني على أن الملك قبل القبول لمن فيه وجهان‏.‏

أصحهما للورثة فعلى هذا في الفطرة وجهان أصحهما عليهم والثاني لا والثاني من الأولين أنه باق على ملك الميت فعلى هذا لا تجب فطرته على أحد على المذهب وحكى في التهذيب وجها أنها تجب في تركته‏.‏

وإن قلنا بالتوقف فإن قبل فعليه الفطرة وإلا فعلى الورثة هذا كله إذا قبل الموصى له فلو مات قبل القبول وبعد وقت الوجوب فقبول وارثه قائم مقام قبوله والملك يقع له فحيث أوجبنا عليه الفطرة إذا قبلها بنفسه فهي من تركته إذا قبل وارثه‏.‏

فإن لم يكن له تركة سوى العبد ففي بيع جزء منه للفطرة ما سبق ولو مات قبل وقت الوجوب أو معه فالفطرة على الورثة إذا قبلوا لأن وقت الوجوب كان في ملكهم‏.‏

قلت‏:‏ قال الجرجاني في المعاياة ليس عبد مسلم لا يجب إخراج الفطرة عنه إلا ثلاثة أحدهم المكاتب والثاني إذا ملك عبده عبدا وقلنا يملك لا فطرة على المولى الأصلي لزوال ملكه ولا على العبد المملك لضعف ملكه والثالث عبد مسلم لكافر إذا قلنا تجب على المؤدي ابتداء ويجيء رابع على قول الاصطخري وغيره فيما إذا مات قبيل هلال شوال وعليه دين وله عبد كما سبق‏.‏

ولو أخرج الأب من ماله فطرة ولدك الصغير الغني جاز كالأجنبي إذا أذن بخلاف الابن الكبير ولو كان نصفه مكاتبا حيث يتصور ذلك في العبد المشترك إذا جوزنا كتابة بعضه بإذن الشريك وجب نصف صاع على المالك لنصفه القن ولا شيء في النصف المكاتب ومثله عبد مشترك بين معسر وموسر يجب على الموسر نصف صاع ولا يجب غيره‏.‏

 باب قسم الصدقات

اعلم أن الإمام الرافعي رحمه الله آخر هذا الباب إلى آخر ربع المعاملات فعطفه على قسم الفيىء والغنيمة وهناك ذكره المزني رحمه الله والأكثرون‏.‏

وذكره ها هنا الإمام الشافعي رضي الله عنه في الأم وتابعه عليه جماعات فرأيت هذا أنسب أصناف الزكاة ثمانية الأول الفقير وهو الذي لا مال له ولا كسب يقع موقعا من حاجته فالذي لا يقع موقعا كمن يحتاج عشرة ولا يملك إلا درهمين أو ثلاثة فلا يسلبه ذلك اسم الفقير وكذا الدار التي يسكنها والثوب الذي يلبسه متجملا به ذكره صاحب التهذيب وغيره ولم يتعرضوا لعبده الذي يحتاج إلى خدمته وهو في سائر الأمور ملحق بالمسكن‏.‏

قلت‏:‏ قد صرح ابن كج في كتابه التجريد بأنه كالمسكن وهو متعين والله أعلم‏.‏

ولو كان عليه دين فيمكن أن يقال القدر الذي يؤدى به الدين لا عبرة به في منع الاستحقاق كما لا عبرة له في وجوب نفقة القريب وكذا في الفطرة كما سبق‏.‏

وفي فتاوى صاحب التهذيب أنه لا يعطى سهم الفقراء حتى يصرف ما عنده إلى الدين قال ويجوز أخذ الزكاة لمن ماله على مسافة القصر إلى أن يصل ماله ولو كان له دين مؤجل فله أخذ كفايته إلى حلول الأجل‏.‏

وقد يتردد الناظر في اشتراط مسافة القصر‏.‏

فرع المعتبر في عجزه عن الكسب عجزه عن كسب يقع موقعا من عن أصل الكسب والمعتبر كسب يليق بحاله ومروءته ولو قدر على الكسب إلا أنه مشتغل ببعض العلوم الشرعية ولو أقبل على الكسب لانقطع عن التحصيل حلت له الزكاة أما المعطل المعتكف في المدرسة ومن لا يتأتى منه التحصيل فلا تحل لهما الزكاة مع القدرة على الكسب‏.‏

قلت‏:‏ هذا الذي ذكره في المشتغل بالعلم هو المعروف في كتب أصحابنا وذكر الدارمي فيه ثلاثة أوجه‏.‏

أحدها يستحق والثاني لا والثالث إن كان نجيبا يرجى تفقهه ونفع الناس به استحق وإلا فلا والله أعلم‏.‏

ومن أقبل على نوافل العبادات والكسب يمنعه منها أو استغراق الوقت بها لا تحل له الصدقة وإذا لم يجد الكسوب من يستعمله حلت الزكاة له‏.‏

فرع لا يشترط في الفقر الزمانة والتعفف عن السؤال على المذهب وبه قطع المعتبرون وقيل قولان الجديد كذلك والقديم يشترط‏.‏

فرع المكفي بنفقة أبيه أو غيره ممن تلزمه نفقته والفقيرة التي ينفق عليها زوج غني هل يعطيان من سهم الفقراء يبنى على مسألة وهي لو وقف على فقراء أقاربه أو أوصى لهم وكانا في أقاربه هل يستحقان سهما من الوقف والوصية فيه أربعة أوجه‏.‏

أصحها لا قاله أبو زيد والخضري وصححه الشيخ أبو علي وغيره والثاني نعم قاله ابن الحداد والثالث يستحق القريب دون الزوجة لأنها تستحق عوضها وتستقر في ذمة الزوج قاله الأودني والرابع عكسه والفرق أن القريب تلزم كفايته من كل وجه حتى الدواء وأجرة الطبيب فاندفعت حاجاته والزوجة ليس لها إلا مقدر وربما لا يكفيها‏.‏

وأما مسألة الزكاة فإن قلنا لا حق لهما في الوقف والوصية فالزكاة أولى وإلا فيعطيان على الأصح وقيل لا يعطيان وبه قال ابن الحداد‏.‏

والفرق أن الاستحقاق في الوقف باسم الفقر ولا يزول اسم الفقر بقيام غيره بأمره وفي الزكاة الحاجة ولا حاجة مع توجه النفقة فأشبه من يكسب كل يوم كفايته حيث لا يجوز له الأخذ من الزكاة وإن كان معدودا في الفقراء‏.‏

والخلاف في مسألة القريب إذا أعطاه غير من تلزمه نفقته من سهم الفقراء أو المساكين ويجوز أن يعطيه من غيرهما بلا خلاف‏.‏

وأما المنفق عليه فلا يجوز أن يعطيه من سهم الفقراء والمساكين لغناه بنفقته ولأنه يدفع عن نفسه النفقة وله أن يعطيه من سهم العامل والغارم والغازي والمكاتب إذا كان بتلك الصفة وكذا من سهم المؤلفة إلا أن يكون فقيرا فلا يعطيه لأنه يسقط النفقة عن نفسه ويجوز أن يعطيه من سهم ابن السبيل مؤنة السفر دون ما يحتاج إليه سفرا وحضرا فإن هذا القدر هو المستحق عليه‏.‏

وأما في مسألة الزوجة فالوجهان يجريان في الزوج كغيره لأنه بالصرف إليها لا يدفع عن نفسه النفقة بل نفقتها عوض لازم غنية كانت أم فقيرة فصار كمن استأجر فقيرا فله دفع الزكاة إليه مع الأجرة‏.‏

فإن منعنا فلو كانت ناشزة ففي التهذيب أنه يجوز إعطاؤها لأنه لا نفقة لها والصحيح الذي قطع به الشيخ أبو حامد والأكثرون المنع لأنها قادرة على النفقة بترك النشوز فأشبهت القادر على الكسب وللزوج أن يعطيها من سهم المكاتب والغارم قطعا ومن سهم المؤلفة على الأصح وبه قطع في التتمة‏.‏

وقال الشيخ أبو حامد لا تكون المرأة من المؤلفة وهو ضعيف ولا تكون المرأة عاملة ولا غازية وأما سهم ابن السبيل فإن سافرت مع الزوج لم تعط منه سواء سافرت بإذنه أو بغير إذنه لأن نفقتها عليه في الحالين لأنها في قبضته ولا تعطى مؤنة السفر إن سافرت معه بغير إذنه لأنها قلت‏:‏ قال أصحابنا مؤنة سفرها معه إن كان بإذنه فهي عليه فلا تعطى وإن كان بغير إذنه فلا تعطى الحمولة على الأصح لأنها عاصية وقال الشيخ أبو حامد تعطى والله أعلم‏.‏

وإن سافرت وحدها فإن كان بإذنه وأوجبنا نفقتها أعطيت مؤنة السفر فقط من سهم ابن السبيل وإن لم نوجبها أعطيت جميع كفايتها وإن خرجت بغير إذنه لم تعط منه لأنها عاصية ويجوز أن تعطى هذه من سهم الفقراء والمساكين بخلاف الناشزة لأنها تقدر على العود إلى طاعته والمسافرة لا تقدر‏.‏

فإن تركت سفرها وعزمت على العود إليه أعطيت من سهم ابن السبيل‏.‏

الصنف الثاني المسكين وهو الذي يملك ما يقع موقعا من كفايته ولا يكفيه بأن احتاج إلى عشرة وعنده سبعة أو ثمانية وفي معناه من يقدر على كسب ما يقع موقعا ولا يكفي وسواء كان ما يملكه من المال نصابا أو أقل أو أكثر ولا يعتبر في المسكين السؤال قطع به أكثر الأصحاب ومنهم من نقل عن القديم اعتباره‏.‏

وإذا عرفت الفقير والمسكين عرفت أن الفقير أشد حالا من المسكين هذا هو الصحيح وعكسه أبو إسحق المروزي‏.‏

المعتبر من قولنا يقع موقعا من كفايته وحاجته المطعم والمشرب والملبس إسراف ولا تقتير للشخص ولمن هو في نفقته‏.‏

فرع سئل الغزالي رحمه الله عن القوي من دهل البيوتات الذين لم عادتهم بالتكسب بالبدن هل له أخذ الزكاة قال نعم وهذا جار على ما سبق أن المعتبر حرفة تليق به‏.‏

قلت‏:‏ بقيت مسائل تتعلق بالفقير والمسكين إحداها قال الغزالي في الإحياء لو كان له كتب فقه لم تخرجه عن المسكنة ولا تلزمه زكاة الفطر وحكم كتبه حكم أثاث البيت لأنه محتاج إليها لكن ينبغي أن يحتاط في مهم الحاجة إلى الكتاب‏.‏

فالكتاب يحتاج إليه لثلاثة أغراض من التعليم والتفرج بالمطالعة والاستفادة فالتفرج لا يعد حاجة كاقتناء كتب الشعر والتواريخ ونحوها مما لا ينفع في الآخرة ولا في الدنيا فهذا يباع في الكفارة وزكاة الفطر ويمنع اسم المسكنة‏.‏

وأما حاجة التعليم فإن كان للتكسب كالمؤدب والمدرس بأجرة فهذه آلته فلا تباع في الفطرة كآلة الخياط وإن كان يدرس للقيام بفرض الكفاية لم يبع ولا تسلبه اسم المسكنة لأنها حاجة وأما حاجة الاستفادة والتعليم من الكتاب كادخاره كتاب طب ليعالج به نفسه أو كتاب وعظ ليطالعه ويتعظ به فإن كان في البلد طبيب وواعظ فهو مستغن عن الكتاب‏.‏

وإن لم يكن فهو محتاج ثم ربما لا يحتاج إلى مطالعته إلا بعد مدة فينبغي أن تضبط فيقال ما لا يحتاج إليه في السنة فهو مستغن عنه فتقدر حاجة أثاث البيت وثياب البدن بالسنة فلا تباع ثياب الشتاء في الصيف ولا ثياب الصيف في الشتاء والكتب بالثياب أشبه‏.‏

وقد يكون له من كتاب نسختان فلا حاجة له إلى إحداهما فإن قال إحداهما أصح والأخرى أحسن قلنا اكتف بالأصح وبع الأحسن وإن كان نسختان من علم واحد إحداهما مبسوطة والأخرى وجيزة فإن كان مقصوده الاستفادة فليكتف بالبسيط وإن كان التدريس احتاج إليهما هذا آخر كلام الغزالي وهو حسن إلا قوله في كتاب الوعظ أنه يكتفي بالواعظ فليس بمختار لأنه ليس كل واحد ينتفع بالواعظ كانتفاعه في خلوته وعلى حسب إرادته‏.‏

الثانية إذا كان له عقار ينقص دخله عن كفايته فهو فقير أو مسكين فيعطى من الزكاة تمامها ولا يكلف بيعه ذكره الجرجاني في التحرير والشيخ نصر وآخرون والله أعلم‏.‏

الصنف الثالث العامل يجب على الإمام بعث السعاة لأخذ الصدقات ويدخل في اسم العامل الساعي فالكاتب والقسام والحاشر وهو الذي يجمع أرباب الأموال والعريف وهو كالنقيب للقبيلة والحاسب وحافظ المال قال المسعودي وكذا الجندي فهؤلاء لهم سهم من الزكاة ولا حق فيها للإمام ولا لوالي الاقليم والقاضي بل رزقهم إذا لم يتطوعوا في خمس الخمس المرصد للمصالح العامة وإذا لم تقع الكفاية بعامل واحد من ساع وكاتب وغيرهما زيد قدر الحاجة وفي أجرة الكيال والوزان وعاد الغنم وجهان‏.‏

أحدهما من سهم العاملين وأصحهما أنها على المالك لأنها لتوفية ما عليه فهي كأجرة الكيال في البيع فإنها على البائع‏.‏

قلت‏:‏ هذا الخلاف في الكيال ونحوه ممن يميز نصيب الفقراء من نصيب المالك فأما الذي يميز بين الأصناف فأجرته من سهم العاملين بلا خلاف‏.‏

وأما أجرة الراعي والحافظ بعد قبضها فهل هي من سهم العاملين أو في جملة الصدقات وجهان حكاهما في المستظهري أصحهما الثاني وبه قطع صاحب العدة وأجرة الناقل والمخزن في الجملة وأما مؤنة إحضار الماشية ليعدها الساعي فعلى المالك والله أعلم‏.‏

الصنف الرابع المؤلفة وهم ضربان كفار ومسلمون فالكفار قسمان قسم يميلون إلى الاسلام ويرغبون فيه بإعطاء مال وقسم يخاف شرهم فيتألفون لدفع شرهم فلا يعطى القسمان من الزكاة قطعا ولا من غيرها على الأظهر وفي قول يعطون من خمس الخمس وأشار بعضهم إلى أنهم لا يعطون إلا إن نزل بالمسلمين نازلة‏.‏

وأما مؤلفة المسلمين فأصناف صنف دخلوا في الاسلام ونيتهم ضعيفة فيتألفون ليثبتوا وآخرون لهم شرف في قومهم يطلب بتألفهم إسلام نظرائهم وفي هذين الصنفين ثلاثة أقوال أحدها لا يعطون والثاني يعطون من سهم المصالح والثالث من الزكاة وصنف يراد بتألفهم أن يجاهدوا من يليهم من الكفار أو من مانعي الزكاة ويقبضوا زكاتهم فهؤلاء لا يعطون قطعا ومن أين يعطون فيه أقوال‏.‏

أحدها من خمس الخمس والثاني من سهم المؤلفة والثالث من سهم الغزاة‏.‏

والرابع قال الشافعي رضي الله عنه يعطون من سهم المؤلفة وسهم الغزاة فقال طائفة من الأصحاب على هذا الرابع يجمع بين السهمين للشخص الواحد وقال بعضهم المراد إن كان التألف لقتال الكفار فمن سهم الغزاة وإن كان لقتال مانعي الزكاة فمن سهم المؤلفة وقال آخرون معناه يتخير الإمام إن شاء من ذا السهم وإن شاء من ذلك وربما قيل إن شاء جمع السهمين وحكي وجه أن المتألف لقتال مانعي الزكاة وجمعها يعطى من سهم العاملين وأما الأظهر من هذا الخلاف في الأصناف لم يتعرض له الأكثرون بل أرسلوا الخلاف وقال الشيخ أبو حامد في طائفة الأظهر من القولين في الصنفين الأولين أنهم لا يعطون وقياس هذا أن لا يعطى الصنفان الآخران من الزكاة لأن الأولين أحق باسم المؤلفة من الآخرين لأن في الآخرين معنى الغزاة والعاملين وعلى هذا فيسقط سهم المؤلفة بالكلية وقد صار إليه من المتأخرين الروياني وجماعة لكن الموافق لظاهر الآية ثم لسياق الشافعي رضي الله عنه والأصحاب إثبات سهم المؤلفة وأن يستحقه الصنفان وأنه يجوز صرفه إلى الآخرين أيضا وبه أفتى أقضى القضاة الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية‏.‏

الصنف الخامس الرقاب وهم المكاتبون فيدفع إليهم ما يعينهم على العتق بشرط أن لا يكون معه ما يفي بنجومه وليس له صرف زكاته إلى مكاتب نفسه على الصحيح لعود الفائدة إليه وجوزه ابن خيران ويشترط كون الكتابة صحيحة ويجوز الصرف قبل حلول النجم على الأصح ويجوز الصرف إلى المكاتب بغير إذن السيد والأحوط الصرف إلى السيد بإذن المكاتب‏.‏

ولا يجزىء بغير إذن المكاتب لأنه المستحق لكن يسقط عن المكاتب بقدر المصروف لأن من أدى دين غيره بغير إذنه برئت ذمته‏.‏

قلت‏:‏ هذا الذي ذكره من كون الدفع إلى السيد أحوط وأفضل هو الذي أطلقه جماهير الأصحاب وقال الشيخ أبو الفتح نصر المقدسي الزاهد من أصحابنا إن كان هذا الحاصل آخر النجوم ويحصل العتق بالدفع إلى السيد بإذن المكاتب فهو أفضل وإن حصل دون ما عليه لم يستحب دفعه إلى السيد لأنه إذا دفعه إلى المكاتب أتجر فيه ونماه فهو أقرب إلى العتق والله أعلم‏.‏

فرع إذا استغنى المكاتب عما أعطيناه أو عتق بتبرع السيد باعتاقه أو الزكاة في يده فوجهان وقيل قولان أحدهما لا يسترد منه كالفقير يستغني وأصحهما يسترد لعدم حصول المقصود بالمدفوع‏.‏

ويجري الوجهان في الغارم إذا استغنى عن المأخوذ بإبراء ونحوه وإن كان قد تلف المال في يده بعد العتق غرمه وإن تلف قبله فلا على الصحيح وقال في الوسيط وكذا لو تلفه وإذا عجز المكاتب فان كان المال في يده استرد‏.‏

وإن كان تالفا لزمه غرمه على الأصح وهل يتعلق بذمته أم برقبته فيه وجهان‏.‏

قلت‏:‏ أصحهما بذمته والله أعلم ولو دفعه إلى السيد وعجز عن بقية النجوم ففي الاسترداد من السيد الخلاف السابق في الاسترداد من المكاتب فان تلف عنده ففي الغرم الخلاف السابق أيضا ولو ملكه السيد شخصا لم يسترد منه بل يغرم السيد إن قلنا بتغريمه‏.‏

فرع للمكاتب أن يتجر بما أخذه طلبا للزيادة وحصول الأداء والغارم كالمكاتب‏.‏

فرع نقل بعض الأصحاب للامام أن للمكاتب أن ينفق ما أخذ ويؤدي من كسبه ويجب أن يكون الغارم كالمكاتب‏.‏

قلت‏:‏ قد قطع صاحب الشامل بأن المكاتب يمنع من إنفاق ما أخذ ونقله أيضا صاحب البيان عنه ولم يذكره غيره وهذا أقيس من قول الإمام والله أعلم‏.‏

فرع قال البغوي في الفتاوى لو اقترض ما أدى به النجوم فعتق إليه من سهم الرقاب ولكن يصرف إليه من سهم الغارمين كما لو قال لعبده أنت حر على ألف فقبل عتق ويعطى الألف من سهم الغارمين‏.‏

الصنف السادس الغارمون والديون ثلاثة أضرب الأول دين لزمه لمصلحة نفسه فيعطى من الزكاة ما يقضي به بشروط‏.‏

القديم يعطى للآية وكالغارم لذات البين والأظهر المنع كالمكاتب وابن السبيل فعلى هذا لو وجد ما يقضي به بعض الدين أعطي البقية فقط فلو لم يملك شيئا ولكن يقدر على قضائه بالاكتساب فوجهان‏.‏

أحدهما لا يعطى كالفقير وأصحهما يعطى لأنه لا يقدر على قضائه إلا بعد زمن والفقير يحصل حاجته في الحال ويجري الوجهان في المكاتب إذا لم يملك شيئا لكنه كسوب وأما معنى الحججة المذكورة فعبارة الأكثرين تقتضي كونه فقيرا لا يملك شيئا وربما صرحوا به‏.‏

وفي بعض شروح المفتاح أنه لا يعتبر المسكن والملبس والفراش والآنية وكذا الخادم والمركوب إن اقتضاهما حاله بل يقضى دينه وإن ملكها‏.‏

وقال بعض المتأخرين لا يعتبر الفقر والمسكنة هنا بل لو ملك قدر كفايته وكان لو قضى دينه لنقص ماله عن كفايته ترك معه ما يكفيه وأعطي ما يقضي به الباقي وهذا أقرب‏.‏

الشرط الثاني أن يكون دينه لنفقة في طاعة أو مباح فإن كان في معصية كالخمر والإسراف في النفقة لم يعط قبل التوبة على الصحيح فإن تاب ففي إعطائه وجهان أصحهما في الشامل و التهذيب لا يعطى وبه قال ابن أبي هريرة وأصحهما عند أبي خلف السلمي والروياني يعطى وقطع به في الإفصاح وهو قول أبي إسحق‏.‏

وممن صححه غير المذكورين المحاملي في المقنع وصاحب التنبيه وقطع به الجرجاني في التحرير ولم يتعرض الأصحاب هنا لاستبراء حاله ومضي مدة بعد توبته يظهر فيها صلاح الحال إلا أن الروياني قال يعطى على أحد الوجهين إذا غلب على الظن صدقه في توبته فيمكن أن يحمل عليه‏.‏

الشرط الثالث أن يكون حالا فإن كان مؤجلا ففي إعطائه أوجه ثالثها إن كان الأجل تلك السنة أعطي وإلا فلا يعطى من صدقات تلك السنة‏.‏

قلت‏:‏ الأصح لا يعطى وبه قطع في البيان والله أعلم‏.‏

الضرب الثاني ما استدانه لإصلاح ذات البين مثل أن يخاف فتنة بين قبيلتين أو شخصين فيستدين طلبا للاصلاح وإسكان الثائرة فينظر إن كان ذلك في دم تنازع فيه قبيلتان ولم يظهر القاتل فتحمل الدية قضي دينه من سهم الغارمين إن كان فقيرا أو غنيا بعقار قطعا وكذا إن كان غنيا بنقد على الصحيح‏.‏

والغنى بالعروض كالغني بالعقار على المذهب وقيل كالنقد ولو تحمل قيمة مال متلف أعطي مع الغنى على الأصح‏.‏

الضرب الثالث ما التزمه بضمان فله أربعة أحوال أحدها أن يكون الضامن والمضمون عنه معسرين فيعطى الضامن ما يقضي به الدين قال المتولي ويجوز صرفه إلى المضمون عنه وهو أولى لأن الضامن فرعه ولأن الضامن إذا أخذ وقضى الدين بالمأخوذ ثم رجع على المضمون عنه احتاج الإمام أن يعطيه ثانيا وهذا الذي قاله ممنوع بل إذا أعطيناه لا يرجع إنما يرجع الضامن إذا غرم من عنده‏.‏

الحال الثاني أن يكونا موسرين فلا يعطى لأنه إذا غرم رجع على الأصيل وإن ضمن بغير إذنه فوجهان‏.‏

الحال الثالث إذا كان المضمون عنه موسرا والضامن معسرا فإن ضمن بإذنه لم يعط لأنه يرجع وإلا أعطي في الأصح‏.‏

الحال الرابع أن يكون المضمون عنه معسرا والضامن موسرا فيجوز أن يعطي المضمون عنه وفي الضامن وجهان أصحهما لا يعطى‏.‏

فرع إنما يعطى الغارم عند بقاء الدين فأما إذا أداه من ماله يعطى لأنه لم يبق غارما‏.‏

وكذا لو بذل ماله ابتداء فيه لم يعط فيه لأنه ليس غارما‏.‏

قال أبو الفرج السرخسي ما استدانه لعمارة المسجد وقرى الضيف حكمه حكم ما استدانه لمصلحة نفسه وحكى الروياني عن بعض الأصحاب أنه يعطى هذا مع الغنى بالعقار ولا يعطى مع الغنى بالنقد‏.‏

قال الروياني هذا هو الاختيار‏.‏

فرع يجوز الدفع إلى الغريم بغير إذن صاحب الدين ولا يجوز إلى الدين بغير إذن المديون لكن يسقط من الدين بقيمة قدر المصروف كما سبق في المكاتب ويجوز الدفع إليه بإذن المديون وهو أولى إلا إذا لم يكن وافيا وأراد المديون أن يتجر فيه‏.‏

فرع لو أقام بينة أنه غرم وأخذ الزكاة ثم بان كذب الشهود الفرض القولان فيمن دفعها إلى من ظنه فقيرا فبان غنيا قاله إمام الحرمين ولو دفع إليه وشرط أن يقضيه ذلك عن دينه لم يجزئه قطعا ولا يصح قضاء الدين بها‏.‏

قلت‏:‏ ولو نويا ذلك ولم يشرطاه جاز والله أعلم قال في التهذيب ولو قال المديون ادفع إلي زكاتك حتى أقضيك دينك ففعل أجزأه عن الزكاة ولا يلزم المديون دفعه إليه عن دينه ولو قال صاحب الدين اقض ما عليك لأرده عليك من زكاتي ففعل صح القضاء ولا يلزمه رده‏.‏

قال القفال ولو كان له عند الفقير حنطة وديعة فقال كل لنفسك كذا ونواه زكاة ففي إجزائه عن الزكاة وجهان ووجه المنع أن المالك لم يكله فلو كان وكله بشراء ذلك القدر فاشتراه فقبضه وقال الموكل خذه لنفسك ونواه زكاة أجزأه لأنه لا يحتاج إلى كيله‏.‏

قلت‏:‏ ذكر صاحب البيان أنه لو مات رجل عليه دين ولا وفاء له ففي قضائه من سهم الغارمين وجهان ولم يبين الأصح والأصح الأشهر لا يقضى منه ولو كان له عليه دين فقال جعلته عن زكاتي لا يجزئه على الأصح حتى يقبضه ثم يرده إليه إن شاء وعلى الثاني يجزئه كما لو كان وديعة حكاه في البيان ولو ضمن دية مقتول عن قاتل لا يعرف أعطي مع الفقر والغنى كما سبق‏.‏

وإن ضمن عن قاتل معروف لم يعط مع الغني كذا حكاه في البيان عن الصيمري وفي هذا التفصيل نظر والله أعلم‏.‏

الصنف السابع في سبيل الله وهم الغزاة الذين لا رزق لهم في الفيىء ولا يصرف شيء من الصدقات إلى الغزاة المرتزقة كما لا يصرف شيء من الفيىء إلى المطوعة فإن لم يكن مع الإمام شيء للمرتزقة واحتاج المسلمين إلى من يكفيهم شر الكفار فهل يعطى المرتزقة من الزكاة من أظهرهما لا بل تجب إعانتهم على أغنياء المسلمين ويعطى الغازي غنيا كان أو فقيرا

الصنف الثامن ابن السبيل وهو شخصان أحدهما من أنشأ سفرا من بلده أو من بلد كان مقيما به والثاني الغريب المجتاز بالبلد فالأول يعطى قطعا وكذا الثاني على المذهب وقيل إن جوزنا نقل الصدقة جاز الصرف إليه وإلا فلا‏.‏

ويشترط أن لا يكون معه ما يحتاج إليه في سفره فيعطى من لا مال له أصلا وكذا من له مال في غير البلد المنتقل إليه منه‏.‏

ويشترط أن لا يكون سفره معصية فيعطى في سفر الطاعة قطعا وكذا في المباح كالتجارة وطلب الآبق على الصحيح‏.‏

وعلى الثاني لا يعطى فعلى هذا يشترط كون السفر طاعة فإذا قلنا يعطى في المباح ففي سفر النزهة وجهان لأنه ضرب من الفضول والأصح أنه يعطى‏.‏